لا جرمَ أن مبحثَ الضميرِ من المباحثِ التي حظيتْ بعناية اللغويين قديما وحديثا؛ إذ شكل اهتمامَ النحاة القدماء، لوعيهم بأثره في فهم تراكيب اللغة واستعمالاتها، كما نلفي الدراسات اللسانية المعاصرة أو ما عُرف بلسانيات النص وتحليل الخطاب، التي نظرت إليه من زاوية الربط بين أجزاء الكلام، فَعَدَّتْهُ من أهم أدوات الاتساق النصي؛ لِنِيابتِهِ عن الكلمات والجمل والعبارات، ومعلومٌ أن الربطَ التركيبي لا يخلو مما هو معنوي، فتحقيق اتساق النص وانسجامه، رهينٌ بتوافرِ جملة من العوامل، ومنها الإحالة بعناصرها.
وغنيٌّ عن البيان فإن مبحثَ الضميرِ من المباحث النحوية التي استعان بها الفقهاءُ والمفسرونَ من أجل فهم الخطاب القرآني وكشفِ أسراره وبيان أحكامه، فألفوا فيه كتبا نفيسةً منها: كتاب “ضمائر القرآن” لأبي علي أحمد بن جعفر الدنوري (ت 289هـ) وكتاب “ضمائر القرآن” لمحمد بن أبي القاسم بن محمد، المعروف بابن الأنباري (ت328هـ) ثم كتاب “السر المصون في نكتة الإظهار والإضمار في أكثر الناس وأكثرهم لا يعلمون” لعلي بن إبراهيم الصنعاني (ت 1236هـ).
ومن بين المسائل التي لَفَتَتْ أنظار المفسرين مسألةُ عودِ الضمير، لما لها من أثر في تأويل حكم الآية وبيان معنى النص إجمالا، وهذا ما يدعو مُفسِّرَ النص إلى أن يستعينَ بما حدَّدَهُ النحاةُ في هذا الجانبِ، من أحكامٍ نحويةٍ مُعرِبةٍ لما يعتري النص من إضمار وغيره مما يتصل بهذا الباب.
وعليه فإن هذه الورقة البحثية تروم التعريف بالإحالة الضميرية وأهميتها في فهم النص القرآني وبناء معانيه، ثم بيان موقعها في تفسير ابن عطية، نظرا لعنايته الوارفة بهذه المسألة؛ إذ جعل مسألة عود الضمير من القرائن المسْعِفةِ في تأويل الخطاب القرآني واستكناه لآلئهِ ودُرَرِهِ، لذلك فإن عملنا اقتضى أن يكون موزعا إلى ثلاثة مباحث؛ أولها خُصِّصَ للتعريف بمفهوم الإحالة ومفهوم الضمير من الناحية اللغوية والاصطلاحية، وثانيها أُفْرِدَ للضمير من منظور النحو العربي، وثالثها هَمَّ بالأساس الوقوف عند نماذج تمثيلية حول استثمار ابن عطية لمبحث الإحالة الضميرية في تفسيره